الخميس، 27 يناير 2011

حبكة سياسية : حاضر وُلدَ من ماضٍ | ووثائق محرجة

في عهد عرفات ، وحين ناقش المفكر (ادوارد سعيد) اتفاقات غزة-اريحا"سلام امريكي " ، وأوسلو " سلام بلا أرض" في سلسلته الصادرة عن دار المستقبل العربي ، كان قد تطرق إلى موضوع هام ، أود أن أشارككم جزء من حديثه :

" بالنسبة للبعيدين عن السلطة ، من أمثالنا ، الذين يستبشعون المشهد المخزي في غزة اليوم ، فلا يمكن الاكتفاء بالقول بأن عرفات زعيمنا ، وله منا الولاء ، أو حتى المطالبة باستقالته بسبب عدم كفاءته ، علينا أن نضمن بكافة السبل عدم تكرار هذه المأساة ، وذلك بالإصرار على ان يتمتع أي زعيم لنا مستقبلاً ، بصفة (احترام الذات) ، بالاضافة إلى معرفته معرفة حقيقية باسرائيل والولايات المتحدة ، وبكلمة أخرى : إن المطلوب هو تحرير العقول ، وليس المطلوب رجالاً ونساء لا يستطيعون تحرير أنفسهم ، ناهيك عن تحرير شعوبهم . العنصران الجوهريان هنا هما : الإرادة والعقل . فحتى لو امتلك المرء عشرة آلاف شرطي وبيروقراطي بل ودويلة أيضاً ، فإن الوضع يبقى في جوهره مؤسساً على العبودية والجهل "
سبتمبر 1994 .

يتضح من حديث سعيد ، أنّ ما دعى إليه هوَ تحديداً عكس ما جررنا أنفسنا إليه ، يعني ، اختيار عباس كرئيس دولة ، ومن ثمّ اختيار هنية كرئيس وزراء لحكومة مقالة في غزة وبالتحديد القبول بحكم حماس ( عقلية ذات توجه محافظ عميق ، اصولي دينياً ، ورجعي سياسياً و اجتماعياً ) ، و اختيار فياض كرئيس وزراء لحكومة أخرى في الضفة الغربية ( ذيل قابل للإنطواء ) ، إنما ينم عن اخفاق لم نشهده حتى في عهد عرفات الذي قدم فيه من التنازلات ما نعتبره فائضاً عن الجرّة ، ويقع اللوم بالدرجة الأولى على م.ت.ف التي قامت من البداية بتحية (( شجاعة )) اسرائيل عندما أعطت الحكم الذاتي المحدود جداً وما شملته من تشريد ومصادرة واحتلال عسكري واضطهاد وتقديم الشكر للجلاد مقابل الاعتراف على مضض بـ" وجودهم " جعل الشعب على استعداد كامل بالتنازل والمخاطرة ،  وأنّ أقصى شيء استطاع عرفات أن يقيم عليه خلاف مع المفاوضين الاسرائيليين ،  دار حول امكانة السماح له بوضع صورته على طوابع البريد ، وأيضاً تم رفض ذلك !
بالإضافة إلى الإدعاءات المزعجة التي كانت تعتبر المفاوضات تؤدي إلى قيام علاقات جيرة طبيعية في المستقبل ، بل كانت مرحلة جديدة في مراحل إذلال الفلسطينيين وحملهم على قبول شروط الاستسلام ، ولم يعد أحد يسأل ولا حتى اليسار على حقيقة ما يجري بالمفاوضات وإلى أين كان يسير بهم رابين ، ويسير بنا عرفات في حقيقة الأمر !


لقد كنا نمارس على انفسنا نوعاً من الرقابة الذاتية يمنعنا حتى من طرح هذه الأسئلة ، ولقد شكل صمتنا تقصيراً ذات ابعاد تاريخية ستكون لها آثار مريرة نعاني منها لأجيال قادمة ، لقد كان ما يقوله عاموس عوز وكلينتون ورين كريستوفر ورابين وبيريز يبدو افتئاتا  صارخاً على الحقيقة وتشويهها تشويهاً مجرداً من المبادئ الأخلاقية ، وما ترتب على كل هذا التاريخ الخصب هو تحديداً ما نحن فيه الآن وما نواجهه ، والأحداث الأخيرة التي كشفت الجزيرة فيها عن وثائق سريّة لمفاوضات شبيهة بسابقتها ، وجودها ليس غريباً مطلقاً ، فإن تعاملنا بموضوعية ونظرنا إلى الأمر بشكل سوي ، فبالنسبة للتنازلات والمفاوضات كنّا جميعاً كفلسطينين على دراية بها ، وكان الأمر جليّ في بعض الأحيان ولا يحتاج تلميحات ، ربما لم يكن هدف قطر في نشرها الوثائق هو فضح السلطة ، فهي على كل الأحوال "فاضحة حالها" ، و إن من حق السلطة الفلسطينية أن تعمل جاهدة لكي تصل إلى مستوى الانحطاط التي وصلت له الحكومات والأنظمة العربية ، وأن ترضي أمريكا وغيرها بكل السبل فهذا يؤمن لها احتياجاتها ويؤمّن لها بيئتها كسلطة مدعومة وقائمة على أيدي تحكم العالم ، ففي ظل التوتر الذي يحدث في العالم العربي وقيام ثورات عديدة واحتجاجات ، اختارت قطر عرض هذه الوثائق في هذا الوقت على وجه الخصوص ، محاولة لتحريك الشعوب واثارتها ولربما أن تسمّى قطر في نفوس القطريين " حامية عرض فلسطين " يجعل القطري كمواطن في شعبه راضٍ عن حكامه وعن أميره وتحفظ بذلك قطر قيمتها وتخرس شعبها إن فكّر أن يشارك في هذه الثورة التي تكاد تصبح جماعية ، ولمَ لا ، فبرأيي كفلسطينية ، إنّ حماس على استعداد كامل أن تحل محل السلطة في المفاوضات ، وبذلك تكون قد ضربت عصفورين بحجر ، بالتخلص مما يسمى نزاعات داخلية بين فتح وحماس وذلك بالقضاء على السلطة عن طريق الوثائق وفتح الطريق أمام حماس لخوض هذه التجربة ، فبعد مكوث حماس في غزة كل هذه السنين ، اتضح لنا أنّ ممارسات الحكومة السابقة هي نسخة طبق الأصل عن ممارسات حماس الآن ، (لا يوجد مقاومة ، مصالح خاصة ، فشخرة ، واسطة ، تعذيب ، الاستعداد التام لخوض صراعات داخلية والتخلص منْ مَن لا يجدونه ملائماً ، المحسوبية والرشوة ، سد كل طرق الحرية -فحماس كتنظيم قد رُبيَ على الانقياد والتقيد- ) كل هذه الأمور التي كانت تدعو حماس في السابق ضدها وتشذب وتستعملها كأداة للاحتجاج ، هيَ الآن تقوم عليها ، نحن شعب ينهزم ، وامكانياته لا تتيح له أن يختار الخوض في حرب لجعل اسرائيل تتنازل عن شبر أو عن اتفاقية واحدة ، وحين تتهيأ حماس للمفاوضة ستكون مستعدة للتنازل ولن يردعها شيء ، فسواء كانت الوثائق صحيحة أم لا ، انا على ثقة تامة أن قطر قد حققت مصلحتها في هذا الأمر ، ما تبقى علينا هو محاولة البحث عن اجابة عن التساؤلات بدلاً من وضع تساؤلاتنا في رف ، وتعليق علامة تعجب وعلامة استفهام فوق رؤوسنا .. ، كل ما يحتاجه الأمر هو تحليل عميق ووعي كافٍ يجعلنا نقرر حقيقة هذه الحبكة .

كانون الثاني
2011

الأربعاء، 19 يناير 2011

احتساء ..

 
وكأننا لون المسافة وظلال شوق متكئ على انتظار
يا لور\ هذا الورد كم يشبهني في حضرتك
وكم يشبهنا يا زمرديّ هذا الفراق .

من أصابعي أتنفس أماكنَ اللوز العتيق والزقاقات النحيلة ، 
وأذكر الوطن في نفسي وأذكرُ حين كان لنا وطن
ميلي عليّ بمرفقيّك .. ما أجفى الشتاء على قلبي !