الاثنين، 31 ديسمبر 2012

شكراً ..


لم أستطع سوى أن أشارككم هذه اليوميات التي وجدتها على هاتفي القديم قبل أيام، بعض الأشياء حين نسترجعها بعد زمن تبدو وكأنها لم تمر بنا أبداً .. لكن انكارها سيكون قمعاً لأشياء كثيرة أخرى وجميلة في نفوسنا ..
من مذكرات31 كانون الأول 2011 :

" في غير بيتي أرتب بعض الأحلام/ نحن لا نبتعد عمن يغلفون قلوبنا إلا إذا خانتنا الأيام وتأخر الميعاد ساعات طويلة، أشتاق لماما وبابا وهلا واخوتي كثيراً ولبيتنا ولمكتبي وللكسل الذي يصيبني هناك .. ربما صحيح أن النشاط الزائد يأتينا ليكمل حلقات مفرغة! لننسى أنه من المفترض أن يدفئنا الحب قبل أن نتدثر بالبطانيات الباردة ..  أصابني شعور غريب حين سجدت سجود العشاء الأخير لهذه السنة .. مصابة أنا بحمّى الأمنيات وفي السجود ندنو من خالقنا ونتلعثم عظمة ونبكي كثيراً لأننا متطلبين .. لأننا نطمع كثيراً به ونجده دائماً فنخجل ولكن يقيناً نعلم أنه سوف يلبينا .. نتمنى لو يتوقف الزمان هنا .. هنا فقط حيث لا نخاف ولا نهاب سواه .. حيث ننسى هذه الدنيا تماماً!"

" ...رغم أن البرد قاتل في الغرفة التي أجلس فيها في بيت جدي، لكنه سرعان تلاشى حين ذهبت إلى غرفته ورأيت جدتي وهي تعتني به، لقد صنع هذا المشهد ليلتي التي من المفترض أن تكون مختلفة ولو قليلاً .. الله يشافيك ويعافيك يا سيدو يا حبيبي."


"...لا أريد أن أكون سوى متفائلة ربما لأنني لا أعرف كيف أتحرر من هذا الشعور! لن أنكر أنني متحمسة جداً لألفين واثنى عشر، أشعر بأن بعض البشارات ستكتمل فيها حتى تحلو معها بقية السنين، ولن أطلب من الله سوى أن يجبر خاطري ويعافي جدي ويجلب الخير الوافر لأهلي وأحبائي جميعاً .. كل عام وأنتم بخير رغم أنه لا أحد يسمعها الآن .. لكن كل عام وأنتم بخير يا أصدقائي :) "

توفيَ جدي في مارس 2012 .. سافرت والدتي في نيسان 2012 قرابة الشهر لإجراء أكثر من عملية .. انقلبت كل الموازين في يوليو 2012 موازين السعادة والقوة والحماس والتفاؤل. تخطانا الحزن .. تغلب علينا الدمع وسكن صدورنا الوجل .. رغم كل هذا كان لألفين واثنى عشر أثراً آخر لن يغادرني أبداً .. أثر طيب جميل والنفس تهوى الجميل حتى ينسيها كل ألم ..
شكراً لكل من صنع طيباً من رماد الحرائق التي نشبت داخلنا .. شكراً لكل من كان جانبي في أشد أيام تلك السنة حلكة وجمالاً أيضاً .. شكراً لكل من أحبني وشكراً لكل من سامحني وشكراً لكل من منح وشكراً لكل من دعى في ظهر الغيب وشكراً لكل من أخلص .. شكراً لمن غيّر أشياء كثيرة .. وساعدني لأحتفظ بأجمل الأشياء داخلي ولا أفقدها .. شكراً لكل من سيبقى في 2013 .. شكراً لكم جميعاً يا أصدقائي :)

الثلاثاء، 15 مايو 2012

فيلم قصير : يوم النكبة الفلسطينية | Nakba Day

15-5-2012
الذكرى الرابعة والستون ليوم النكبة الفلسطيني "يوم إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين"
نستعيد ذكرى هذا اليوم بآلامه و"آمال الغد" ويتجدد هذا الألم لنجدد فيه الأمل ولا نيأس

وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر!

الفيلم القصير : يـوم النكبـــة

سيناريو وصوت :
مريم طاهر لولو

مونتاج وإخراج :
هبة عبدالسلام الحايك

* الفيديوهات منتقاة من:
 1- الفيلم الفلسطيني عصفور الوطن للمخرج مصطفى النبيه و إسراء السكني
2-  مسلسل التغريبة الفلسطينية
3- فيلم "وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر"
ومقاطع حروب ومجازر تاريخ القضية الفلسطينية المنتصرة بإذن الله .



إنني العاشق والأرض حبيبة!

الجمعة، 11 مايو 2012

ولو بالكذب!

أشارككم جزء من يومياتي 9-5-2012
" ... ولست أحاول أن أكون أكثر من نفسي، فأنا لا أحمل من المسميات سوى فلسطينية مع أني لم أبذل شيئاً لأجل هذا المسمى فأنا لم أختره ولم أحارب لأجله ولا أعلم -انا فعلاً لا أعلم- إن كنت سأختاره لو كان الخيار ملكي ! الألم الذي أشعر به تماماً حيث لا تلتقي العظام الطافية في قفصي الصدري يذكرني بالألم الذي لطالما قرأت عنه في قصص العشق، ولكن المختلف هنا أنني لا أعيش قصة حب بل إني أعيش قصة حرب باردة كشتاء الملاجئ والمخيمات وهذا البرد أيضاً لا يشبه البرد في الروايات الحزينة، بل يشبه برد البلاد البيضاء في أطرافها، وعلى سيرة الأطراف فإن هذا الألم يفقدني شعوري بأطرافي ( وأنا لا أعلم حقاً إذا كان هذا الجزء يشبه البرد الذي يشتعل داخل العاشق حين يرى محبوبه فيفقد الشعور بأطرافه ! ) . البكاء سبيل الضعفاء للتكفير عن تقصيرهم أو أخطائهم، ولكن بكائي وأرقي لم يشعراني ولو قليلاً بتحسن، لقد قاطعت البضائع الإسرائيلية لفترة من الزمن ولكني عدت حين تذوقت آخر ما وصل غزة من شوكولاتة عليت الإسرائيلية، فقد كانت العائلة تجتمع أمام فناجين القهود السادة وتتشارك هذا اللوح من الشوكولاة وأنا لم أرفض أن أتذوقها أيضاً ! هذه المرة كانت تحتوي الشوكولاة سكاكر قفازة تشعرني بفرقعة داخل فمي وكنت أحب هذا النوع من السكاكر جداً في طفولتي، شعرت برغبة جامحة ومخجلة في البكاء وأنا أحاول أن أتخلص من الفرقعة في فمي، وشعرت بأن صوتها يدوي في رأسي وكأنه صراخ يعاتبني ! يعاتب جموحنا ويعاتب ضعفنا أمام قطعة سكاكر إسرائيلية!... " قضيتي ليست شوكولاة وليست سكاكر قفازة ولكن الألم الذي أشعر به حين أقرأ آخر أخبار الأسرى والذي وصفته في جزء من يومياتي في الأعلى يشبه تماماً الألم الذي شعرت به حين رأيت نفسي تخاذلت أمام هذه البضاعة، وهو ذاته الألم الذي أشعر به الآن وأنا أشارككم ما أكتبه على عجل ..


انهيت جدول اليوم الساعة العاشرة مساءاً وقمت بتجميع كتبي وترتيبهم مجدداً وأصريت هذا اليوم على أن أحارب أرقي المستمر منذ شهر تقريباً بأن أنام الساعة العاشرة وأن أبقى مستيقظة بعد الفجر، وجدتني أقرأ بعض الأخبار قبل نومي فشعرت برغبة في صفع نفسي واختلف مزاجي تماماً وشعرت أيضاً بكراهية، بكراهية مضنية تجاه كل شيء يحصل، قرأت أربعة عناوين كافية جداً لأن تفقدني عقلي تماماً، صدقوني هكذا أخبار كانت كافية جداً لأن أتحول إلى مجنونة متسولة إلى كسرة من كرامة!

العنوان الأول : 
" المقاطعة مش برام الله...المقاطعة في ثلاجتك.....قاطع كل البضائع الاسرائيلية
مقاطعة ابدية لكل البضائع الاسرائيلية لانه كلها لها بديل اليوم
تعددت الوسائل والغاية واحدة, سنقاطع البضائع الإسرائيلية تضامناً مع أسرانا ودعماً لمعركة الأمعاء الخاوية" 

قبل عدة أيام من الآن، تماماً قبل عدة أيام من الآن تناولت قطعة من شوكولاة اسرائيلية بعد مقاطعة اقتربت من السنة الكاملة ومع أني تجاهلت الأمر، إلا أن هذا النداء جاء في وقته ليصفعني ويخبرني بأني ارتكتب خطأً غبياً في أكثر الأوقات حاجة لوقفة معنوية كهذه! فأنا لم أؤثر في اقتصاد اسرائيل مطلقاً ولم أشعر أحد بشيء وكانت حياتي طبيعية جداً ولكني كنت في داخلي سعيدة لأني أفعل ذلك، سعيدة لأجل نفسي .. فأنا أصغر جداً من أن أكون سعيدة لأجل وطني!


العنوان الثاني : 
"المعركــة مستمــرة ..
بلال ذياب 74 يوم
ثائر حلاحلة 74 يوم
حسن الصفدي 68 يوم
عمر أبو شلال 66 يوم
محمد التاج 58 يوم
محمود سرسك 52 يوم
جعفر عز الدين 51 يوم
فارس الناطور 46 يوم
عبدالله البرغوثي 30 يوم

باقي الأسرى 25 يوماً"
دعوني لا أعلق ! ! !!


  (دور الرئيس طبعاً، على ما يبدو ناوي يحكي شوية عن الأسرى، يعني ولو بالكذب)
العنوان الثالث :
" قال الرئيس محمود عباس إنه مستعد للتفاهم مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اتفاق للسلام في الشرق الأوسط إذا اقترح "أي شيء واعد أو إيجابي".
وقال الرئيس عباس إنه ليست لديه نية السماح لأبناء شعبه بحمل السلاح ضد الاسرائيليين، لكنه سيكون مستعدا لتجديد سعيه من جانب واحد للحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في حالة عدم إحراز تقدم." :| :|

أنا لست مصدومة بسبب ما يقوله، خصوصاً عندما قال بأنه (ليس لديه النية) إنت مين كاين يا ابن ال**** علشان يكونلك نية، لكن أيضاً حديثه ما صدمني بقدر ما صدمني توقيت حديثه، هناك أسرى سيمر عليهم ثلاثة شهور في إضرابهم عن الطعام، وأنت تأتي لتتحدث عن السلام مع اسرائيل، يعني .. انتظر قليلاً فقط وبعدين تحدث كما تريد! ولو بالكذب!


( دور رئيس الوزراء هلأ، يعني بركي اسماعيل هنية بما انو عامل حالو زعلان وبيفطر فول دايما يكذب علينا شوية، مش معقول اسماعيل هنية يحكي عن مفاوضات، هوا عنجد عندو كره لاسرائيل يعني، يعني آه، يعني أنا بدي اليوم اكون زي الغلابة هادول اللي بسدقو، وبدي اسدق لاني مش قادرة مش قادرة.. ولو بالكذب!)
العنوان الرابع : 

" إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة .. الحركة الاسلامية مستعدة للتوصل مع اسرائيل الى "هدنة طويلة الامد قد تمتد لعشرسنوات او أكثر" مقابل دولة على الاراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب الشرق الاوسط عام 1967" :||||||||||||||||||||||||| طيب ليش ؟

طيب والأسرى؟ وينهم؟

صمت طويلاً وكتبت هذه الرسالة النصية لصديقتي مريم "مريم أي فعالية قريبة للأسرى احكيلي عنها، لو حتى بالخيمة، مش قادرة يا مريم . هناك دموع تسقط على وجه القلب. مثلها يصيب كل مشاعرنا الجميلة بالعمى! وإني على شفا حفرة من العمى!!" ما كتبته في أول رسالتي يشبه قولي هذا "ولو بالكذب" ولست أواسي أي شيء مما شعرت فيه داخلي وخارجي وفي أطرافي! حين تصفحت بعض الأخبار هنا في فلسطين، وفي العالم، جعلت نفسي أتخيل للحظة أن العالم لا يعرفنا، أو أننا نسكن في منطقة نائية عن الوجود فبحثت في جوجل خلال الشهر الماضي لأرى إن كان العالم على علم بما يحصل في الأسرى :

وهذا ما وجدته، أربعة وثلاثون مليون وثلاثمئة ألف نتيجة بحث في الشهر الآخير حتى هذه الساعات فقط عن قضية الإضراب عن الطعام، والتي بدأت عند بعض الأسرى منذ ثلاثة شهور!، يعني أن العالم يعلم جيداً ويرى جيداً ما يحصل، ورأيت بعدما أكملت تصفحي للأخبار بأن هناك مسيرات تضامن في ايرلندا ولندن وفرنسا ودول كثيرة حول العالم .. وأن الناس جميعهم مثلنا نحن، يحاولون إيصال صوتهم دون جدوى، رغم أن القوة الإنسانية والتضامن الإنساني هو أقوى الدروع في هذا العالم إلا أنه لم ينجح بعد أمام القوى العسكرية والسياسية والفكرية المنحازة إلى إسرائيل في هذا العالم، لأن هناك فجوة حقيقة في هذا الدرع، وأساس هذه الفجوة هو نحن الفلسطينين، نحن لم نعرف أبداً طوال سنين قضيتنا كيف نتعامل جيداً معها، كيف نختار وكيف نرفض وكيف نوقف كل من يتاجر فينا، كنا ضعفاء جداً في 48 وأُعلنت دولة اسرائيل على مرأى منا ومن العالم أجمع، وفي المقابل جمعنا نحن ما نقدر عليه من متاع وطعام وغادرنا هذه البلاد، لا أقول بأن الأمر كان سهلاً علينا، لم يكن كذلك أبداً .. فحتى أنا الغزية التي لم يهجر لي جد ولا جدة، أشعر يومياً بالمرارة التي يشعر بها أي لاجئ ونازح في غزة وفي العالم تجاه فقدانه بلده الأصلي، لأنني مدركة لهذا الواقع الذي يصرخ كل يوم في وجهي بلميء فمه وغضبه، بأني أنا قد فقدت بلدي نظرياً وأني "مواطن مؤقت" في انتظار أن أفقدها فعلياً!
 أقل من يومين يفصلنا عن الذكرى الرابعة والستين للحدث الكبير، والذي انتهى منذ فترة طويلة لدى الجميع "التفاوض عليه" وانتقل بعضهم لأراضي ال67 وبعضهم لل2000، ولا أعلم ربما سينتقلون للتنازل عن أراضي 2500 قبل أوانه!!!! لن أواسي نفسي ولن أواسي أي فلسطينياً في هذا اليوم، لأن المواساة تفقدنا شعورنا بالغضب، وتزين لنا شعورنا بالذل والضعف! ولن أكرر القول المعتاد بأن العودة حق كالشمس .. العودة ليست حق للجالسين يربون كروشهم في بلاد غير بلادهم! ليست حقاً للشباب الذي يسكن بلاده ويحلم يومياً بالهجرة منها، ليست حقاً لمن يستيقظ يوماً في السنة يذهب إلى خيمة تضامن ثم بمجرد أن يدير ظهره ليعود إلى بيته ينسى كل مشاعره الوطنية ويمضي! ! العودة ليست حق لمن اعتاد البكاء على الخواصر والشكوى المستمرة، من يريد أن يعود يجب أن يتذكر هذا الحق في كل ساعة ويوم في حياته، يجب أن يغضب وأن يثور كل يوم وليس يوماً في السنة، يجب أن يشعر بآلام العالم حوله وألا يظن نفسه المظلوم الوحيد في هذا العالم! ولا يجب أن نعطي اهتمامنا لشيء لا نريده بل أن نعطي اهتمامنا لما نريده فعلاً، حين نكون ضد الجوع يجب علينا أن نشارك في فعاليات توفر طعاماً للجائعين، إذا كنا ضد الحرب يجب أن نبذل جهدنا في إحياء السلام "السلام العادل" .. ما يحصل في العالم تماماً هو أنه هناك حروب ضد الإرهاب ومع ذلك يزيد الإرهاب، هناك حرب ضد العنف وحرب ضد المخدرات وحرب ضد الفقر وكل هذا يتفشى بشكل سريع جداً .. لأننا نعطي كل اهتمامنا لما لا نريده .. وهذا ينطبق علينا نحن الفلسطينين فما يراه العالم فينا أننا نحتاج الطعام والمدارس المجانية والوقود والكهرباء والمعابر والملابس وأدوية والعالم فعلاً يعطينا ما نريده باستمرار، وايضاً نظهر للعالم رفضنا لكثير من الأشياء وفعلاً العالم يقدر رفضنا، لكنا لسنا أصحاب موقف أبداً ولسنا نملك تلك الجرأة على رفض كل تلك الحاجات الحقيرة وتجاهلها! هذه هي دائرة "مانشحته نحن" في المقابل حدثتني ابنة خالي في كندا عن مطالب اليهود الصهاينة هناك، فهم يطلبون التبرع لبناء الهيكل ويطلبون التبرع لبناء المستعمرات ويطلبون التبرع لمخازن الأسلحة ومصانعها وفلسفة شحتة اليهود فلسفة رهيبة فعلاً وناجحة جداً كما فلسفتنا، فهم يطلبون بوضوح ونحن نطلب بوضوح، رؤساؤهم يفاوضون بوضوح ورؤسائنا والعالم هو مصباح علاء الدين الذي يقف دائماً بجانب الموقف الواضح لكل فئة وكل شعب ويساعده ليحقق له مطالبه! علينا أن نحدد ما نريده فعلاً، وليس ما لا نريده ..
 تقول الأم تيريزا " لن أحضر مسيرة مضادة للحروب، إن كان هناك مسيرة سلام فادعوني"

الخميس، 26 أبريل 2012

وحيدةٌ كما أشيائي! -وأشلائي-

  لم أسميها وحيدة لأنها الوحيدة، أو لأنها الأخيرة .. بل لأنها تأتي بين كل ذلك السلام والسعادة وبين الصخب والغبش والفوضى التي تخفي احساسنا بهذه الأشياء. فتأتي بعد غياب أو بعد شوق ربما (في شوق لكل شيء، حتى لللاشيء) فلا أحد يلحظها! تماماً كالسلام والسعادة الداخليين اللذين يختبئان تحت مظلة الواقع!

-أمر باسمك لا جيش يحاصرني أو شاعر يتمشى في هواجسه- 
هذه هي بلادي، نعم يا درويش! حين غنّاها صديقك المخلص في كونشرتو الاندلس كانت الأحداث كريمة معكم فوهبت حناجركم وحروفكم أصيصاً من ذهب ولأن لوجيستية الحرب سلبتنا الشعر والهواجس وجعلتنا نتمشى بين أجساد ملطخة بالوجع والدم والماء بدلاً من هواجس ممزوجة برغباتنا وأسرارنا الصغيرة البريئة.. اخترنا أن نتوقف قليلاً!
ليتنا نتوقف قليلاً ونفهم الأشياء بمنتهى الدقة! لو نتأمل قوانين الفيزياء أكثر، ولو نبحث عن الحقيقة في كل شيء لما حاصرنا جيش من المخاوف والتوجسات ولما كنا خاسرين .. (خاسرون جداً في أوج انتصارنا !)
نحن نتمشى إذن فوق الحقيقة، وبين تلك الأجساد المعجونة بالألم تظهر الحقيقة كاملةً وتبقى غائبة عنا كما لو أننا لم نكن يوماً تلك الكائنات الوحيدة في هذا الكون التي حُمِّلت الأمانة!
 "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ علَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"
وقال تعالى "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ"
إن الصدق والتصديق هما الشيئان الوحيدان في هذه الحياة -كما أثبت العلم- اللذان لا يحتاجان أي طاقة ! فالشعور الذي يسكن الدماغ من تصديق لا يكلّفه شيئاً كما يكلفه في المقابل النكران والكذب!
كنت اليوم قد قضيت ساعات دراستي على سطح منزلنا، وقبيل صلاة المغرب ركزت عيناي على الأفق حيث تظهر الأطراف العلوية من البنايات والمساكن حولنا .. كان هناك وهج يمتد بخط غير منتظم حول هذه الأطراف، بينما تقترب الشمس أكثر يزداد الوهج ويظهر، وبعد مرور ما يقارب النصف دقيقة ظهرت أمامي تلك النقاط التي تشبه جزيئات الطاقة في المستويات -والتي أثارت حيرتي  في طفولتي- مندفعة نحوي، يحدث هذا مع الجميع وتبدو لي ظاهرة تتعلق بالضوء والعين وأمور أخرى أجهلها. وفهمتُ -بعيداً عن التفسير الحقيقي لما يحصل أثناء تركيزنا على منطقة يتجلى فيها الضوء- حقيقة يعلمها الجميع أيضاً ولكن لا يلاحظونها وقد تحدث عنها كثيراً قبل الآن وسأكررها مراراً بأننا حقول طاقة، فداخل اجزائنا و أجهزتنا المكونة من أعضاء وانسجة و ذرات صغيرة متجمعة يوجد طاقة ضخمة جداً! في كل ذرة وخلية في جسدنا يوجد طاقة! وهذه الأجساد المليئة والزخمة جداً بتلك الطاقة والحلقات تكمن فيها عجائب تخر لها النفوس ما أن تتأملها قليلاً! ومع هذا كله نبحث عن الراحة دائماً ونطفئ ذلك الوهج داخلنا كلما أطلنا الجلوس والتأمل في الفراغ! (وللفراغ معاني كثيرة جداً) فتسكن أجسادنا ونفوسنا ويطيب لها مذاق الراحة!
قال أحد المشاركين في تيدكس كايرو 2010 : " أنا معرفش ليه حاسس ان احنا كلنا مستريحين، اصحابي مستريحين وأهلي مستريحين والناس اللي بتشتغل مستريحة وحضراتكو مستريحين، مع إنو احنا عايشين في بلاد غير مريحة جداً .. أنا حاسس ان احنا ممكن نبقى أحسن من كده، بنشوف الزبالة الصبح وبنتخانق شوية بس بنعيش بيها، التعليم تبعنا مش قد كده بس عايشين بيه، الصحة بتعتنا مش قد كده بس عايشين بيها، عارفين حاجات كتيرة أوي بس ما بنعملهاش.. مفيش حد عايز يطلع للمنطقة الساقعة. أنا نفسي نفسي كل واحد النهارده يروح منكو او من زمايلكم او اهلكم يعمل حاجة وحدة بيحبها حتى لو الناس مش عجباها ويطلع برة المنطقة الدافية" وقد وجدت أثناء بحثي في جوجل حقيقة تقول :لو فتشنا داخل كل خلية من خلايا الإنسان نجدها تحوي برنامج يميل بطبيعته إلى الأشياء الحسنة، والأبحاث العلمية تؤكد ذلك من خلال دراستهم لنظام المناعة في الإنسان.
وهذا يظهر تماماً ما تحدث عنه المهندس فخراني حين قال " يعمل حاجة وحدة بيحبها حتى لو الناس مش عجباها " فنحن مفطورين على الخير ونميل إليه كلياً.. فلن يكون على الإطلاق ما نحبه فعلاً هو شيء يميل إلى الشر!

لم أبتر حديثي في البداية، بل البداية والنهاية متعلقتان جداً ومتصلتان جداً لو شعرتم بما أتحدث عنه وأقصده .. يصفق لنا جمهور وجمع كبير وننظر إلى أنفسنا بزهوٍ وحين نتوقف قليلاً نشعر بأننا نود أن نصفق معهم أيضاً وكأننا نصفق لأحدٍ آخر ! وي كأننا جسد آخر غير هذا الجسد! ويؤلمنا جداً ويضنينا أننا لا نشعر تجاه أنفسنا بما يشعره الكثيرون حولنا .. وإذا أردنا أن نجعل ذلك ايجابياً : يجب علينا ألّا نكف عن البحث عن النور .. وعلينا ألّا نغتر ونكتفي بداخلنا ومحيطنا الضيق أبداً! علينا أن  نبحث عن الخير في كل ما نراه، علينا إذن أن نلحظ الأشياء الصغيرة حولنا ولا نضيع التفاصيل دائماً! 
علينا أن نُحِبْ .

السابع والعشرون من نيسان ألفين واثنا عشر\ الثالثة صباحاً بتوقيت الأرق!

الجمعة، 16 مارس 2012

راشيل كوري | Rachel Corrie

follow your dreams, believe in yourself and don't give up. Rachel Corrie 
تتبع أحلامك .. آمن بنفسك .. ولا تستلم ! راشيل كوري .
 من وقت لآخر، تزداد الفجوة بيننا وبين حقيقة ما نعيشه، وإن كانت توقظنا من أحلامنا البيضاء صواريخ أو اشتباكات، لكن الاعتيادية جعلتنا أكثر قابلية للعودة وكأن شيئاً لم يكن! كثير من الناس يتمنى لو يستطع أن يترك ما وراءه وكأنه لم يحصل .. ولكننا يجب ألا نكون من هؤلاء الناس على أية حال، نحن بحاجة لأن نتذكر كل شيء كل شيء كل شيء! 
لذا قمت منذ فترة بإحضار أجندة وتحويلها إلى سجل الأحداث والاتفاقيات والحروب والمجازر التي مرت على الشعب الفلسطيني مذ وقعت بريطانيا أسفل الورقة وأقرت للعالم بأكمله بأن إسرائيل ليست شعباً بلا أرض، بل نحن وحدنا (شعبٌ بلا أرض) .
السادس عشر من آذار لعام 2003، باتجاه يدي اليسرى أعلى الصفحة توجد ذكرى مؤلمة ومخجلة تنتظرني .. لن أحدثكم عن راشيل لأنكم سمعتم عنها كثيراً وأنا على يقين من ذلك، سأتحدث عن الصوت الذي تركته راشيل داخل كل إنسان حول العالم، راشيل التي كشفت غطاءاً ثقيلاً حين استطعنا أن ندرك أن الأمر لا يتعلق بنا نحن فقط، بل يتعلق بكل إنسان حقيقي وأن ندرك أيضاً بأنه لا يوجد مكان في العالم كله يمكن لأمريكا أن تتجاهل وتغلق قضية كهذه فيه إلا إذا حدثت داخل اسرائيل! فليس غريباً ولا مفاجئاً أن نرى ما نراه كل يوم ولا نجد من يتكلم!
كلامي وكلام أصدقائي وكل من كتب عن راشيل هذا اليوم أو قبله ليس كافياً لنشعر بحقيقة هذه الحادثة، لنشعر بالإنسانية داخل راشيل ونفهم الرسالة التي أرسلتها لنا نحن .. أنا على يقين بأنها لم تجد وسيلة أصدق وأقوى من هذه الوسيلة لترسل صوتها إلى العالم، كانت شجاعة جداً ونحن جبناء جداً لنملك "ضعفها حتى" ..
راشيل التي جاءت إلى فلسطين ضمن حركة التضامن العالمية أرسلت إلى والديها بريداً إلكترونياً تقول فيه : " لقد أمضيت أسبوعين وساعة حتى الآن في فلسطين، ولا أجد إلا عدداً قليلاً من الكلمات لوصف ما أرى، فمن الصعب لي أن أفكر فيما يحدث هنا، عندما أجلس لأكتب للولايات المتحدة شيئاً عن البوابة الافتراضية للرفاهية. لا أعتقد أن الكثير من الأطفال عاشوا بدون قذائف الدبابات وثقوب جدارن منازلهم، وأبراج جيش الاحتلال التي تراقبهم عن قرب من الآفاق، وأعتقد على الرغم من أني غير متأكدة تماماً، وأنه حتى أصغر هؤلاء الأطفال يفهمون، أن الحياة ليست دائماً على هذا النحو في كل مكان ."
عندما قُتلت راشيل كانت تحمي بيت طبيب، وكانت تعرف أطفاله الثلاثة وزوجته وكانت مثل ابنة هذه العائلة، وكان قد جاء دور منزل هذا الطبيب ليهدم أثناء الحرب التي كانت تغطي منطقة سكنية فيها أطفال ونساء كما عايشنا جميعاً!
ومثل كل الأشياء التي لا تقدر بثمن سُلبت راشيل الحياة، والأصح أن أقول بأن الحياة قد سُلبت راشيل. كانت تركض نحو حقل أخضر تخلله منازل جميلة قد بدأت جرافة الاحتلال بهدمها واقتلاعها، كانت تريد أن تدافع عن الأرض كما نريد نحن جميعاً، ولكن الفرق أنها قد دافعت فعلاً عنها وركضت نحو الجرافة لتوقفها وتحمي منزلاً أخيراً تبقى! رأت الغربان تنهش عيون الحمام في وضح النهار بكراهية ووحشية، ورأت أن هؤلاء أنفسهم الذين يبصقون علينا قذائفهم ويحولوا الأطفال إلى دماء، كيف أن العالم كله يقف إلى جانبهم ويساندهم، رأت الذئاب القاتلة تهيم على وجوهها وتطلق النار في وجوهنا وتحطم الأسقف على رؤوسنا ويقف العالم بأسره يهلل لهم! ورأت هذه العيون ملقاة في مقابر الموتى في حين أن الطيور الجارحة تنمو بدانتها أكثر وأكثر وهكذا ألقيت هي بينهم وما زال العالم يهز في رأسه لهم ويدير رأسه لنا!َ


راشيل أيتها البطلة .. لو يملك كل واحد منا نصف شجاعتك لكانت فلسطين الآن لنا .. ولكنت سعيدة جداً حيث السماء!  ارقدي بسلام.

السبت، 25 فبراير 2012

"موجز" الأخبار!

مستمعينا الأكارم على موجة 64 وجعاً فاصلة تخاذل ..
موعدكم بعد قليل مع موجزٍ لأهم وأبرز أخبار (هذا اليوم) ، الخامس والعشرون من شباط لعام ألفين واثنى عشر ونذكركم بأنه يصادف الذكرى الثامنة عشر لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل .. ابقوا معنا !

وضعت هذا الفيديو خاصة، لأنه مضت نصف ساعة وأنا أبحث عن شيء ممتلئٍ بالصراخ .. فبدا ليَ الصمت أعلى من كل الكلام ! 
- العثور على جثة فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، قرب دوار "دولة" في حي الزيتون في غزة وبعد عرض الجثة على الطبيب الشرعي، تبيَّن أنها قتلت خنقاً في ظروف غامضة!

- "المزرعة السعيدة" اللعبة الإلكترونية الشهيرة على شبكة التواصل الإجتماعي فيس بوك، بلاغات تصل مقرَّات الشرطة في غزة مفادها أن أحد الأصدقاء سرق "خروف" من مزرعتي .. وبعد اعتقال المتَّهم اتضح أن المزرعة إلكترونية ..
وجاء في نفس السياق أن عراكاً نشب في إحدى العائلات بمدينة غزة  على خلفية المزرعة السعيدة وقد تطور الشجار إلى حد الاشتباك بالأيدي بين شقيقين الأمر الذي حدا بالجيران بالتدخل وفض العراك الذي جرى ..

- في لقاء صحفي عبر فضائية النهار، هنية : الشهيد ياسر عرفات هو من منح الضوء الأخضر لإنطلاقة الإنتفاضة الثانية ..
اسماعيل هنية واقف الآن على رمزون الشعبية بيغير في ألوان الرمزون! المشكلة إنو المجاري طافة .. والريحة طالعة ..  والزحمة مغطية عليا وانا مش عارفة اشوف!

يقول أحمد مطر :
قادتنا أنصاب
أشرفهم نصَّاب!
في حربهم نُصاب
ومالنا نِصاب!

- أما الآن مع الصيحة الدارجة هذه الأيام :  
1- وأنقل لكم الخبر نصاً " أكدت حركة 'فتح'، على ما صرح به عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد، حول موضوع تأجيل تشكيل حكومة التوافق الوطني، وبأن هذا التأجيل جاء استجابة لطلب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وأن رئيس السلطة 'أبو مازن' قد وافق على هذا الطلب
وفي نفس اللحظة :
2- القيادي في حماس صلاح البردويل : عباس من طلب تأجيل الحكومة وحماس ليس لديها شروط على إعلان الدوحة .
( شكلهم متفقين علينا هههههه!) 

- أفيخاي أدرعي على حسابه على تويتر : 25 صاروخ اطلق على الاراضي الاسرائيلية من قطاع غزة منذ بداية شهر شباط. ليكون واضحا اننا لن نتسامح مع هذا الوضع ..

هذا أعزائي المستمعين موجز حصاد اليوم .. 
ننتقل الآن للحديث عن جنازة الشهيد طلعت رامية الذي استشهد أمس في مواجهات مع الاحتلال على جاجز قلنديا الواصل بين مدينتي القدس ورام الله وسط الضفة الغربية.. بالإضافة إلى تذكيركم بأنه داهم البارحة عدد من الجنود الإسرائيلين المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة، وقد فتحت جبهتين إحداهما في باحات المسجد الأقصى والأخرى في الخليل، حيث منعت طواقم الإسعاف من نقل المصابين .. وقد وصفت هذه المواجهات بأنها الأعنف بين الفلسطينين والاسرائيليين في المسجد الأقصى .. وخلال ما لا يزيد عن نصف ساعة كانت حصيلة الجرحى ما يقارب 70 جريحاً!!

أما ردة الفعل هنا في غزة كانت بالمختصر (بدون ردة فعل) بالإضافة إلى باقي المستجدات اليوم .. يبدو أن غزة الجميلة أصبحت أكثر وضوحاً الآن!
أما جدول أعمالنا هنا ..
فكما قال أيضاً أحمد مطر :
 هكذا أقسم يومي :
ست ساعاتٍ .. لهمي
ست ساعاتٍ .. لغمي
ست ساعاتٍ .. لضيمي
ستُّ ساعاتٍ ..
لهمي ولغمي ولضيمي!
لحظة واحدة من يومي التالي .. 
لكي أبدأ في تقسيم يومي ! !

!

الخميس، 23 فبراير 2012

مجزرة الحرم الإبراهيمي .. 1994




طفلٌ نبتت بين أصابعهِ النار .. 
أيتها الخوذات البيضاء حذار من طفلٍ نبتت بين أصابعه النار

كانوا يخبروننا حين كنَّا صغاراً، بأن قلوبنا بحجم قبضة أيدينا وأنه كلما كبرت هذه القبضة كبر قلبنا الصغير معها شيئاً فشيئاً.. لكن نحن كبرنا قبل ميعادنا بكثير وبعضنا لم يتسنَّ له أن يقيس قلبه لأنه فقد يده وبعضنا لم يقسه لأنه فقد قلبه! ومن هنا بدأت قصتنا التي كتبناها قبل أن تنتهي خشية أن نفقد ملامحها كما فقدنا ملامحنا.. كان والدي ينفض سجادة صلاته قبل أن يذهب للصلاة في الحرم وكان يسألني دائماً كم صار حجم قلبي ؟ وكلما كبر قلبي قليلاً واتسع كان يضيف قرية من فلسطين إليه ( إم التوت، العيسوية، عطّارة، جماعين، العوجا، دير غزالة، الشهداء ... ) لم أعتد منذ طفولتي المشاهد الدرامية ولن أباشر الآن بوصف حنان أبي وأخبركم كيف مات وأكرر على مسامعكم حكايا جدي التي حفظناها فما عادت تقشعر أرواحنا وتخشع لها! نحن كبرنا ما يكفي وقد شقت النائبات في جلودنا ألف طريق وحفرت مليون مستعمرة، وحين تمرَّغ الألم فينا بعنا جلودنا إلى الروؤساء كي يصفقوا لنا ويمدحونا ..
حالنا ليس كما يظن العالم، نحن لا نتحسس رؤوسنا كل لحظة، ولا نبكي طوال الليل خوفاً من القصف.. لم تتوقف الإمدادت هنا ولم يمت أحد منا من الجوع بعد.. لا نذهب إلى المدارس وأقدامنا غارقة حتى أخرها في مياه الأمطار والمجاري، ولا نتعلم في مدارسنا كيف نحارب اسرائيل أو نوقفها، بل وينتهي عمل مادة الوطنية (الفقيرة جداً والملفقة جداً) ما أن ننتهي من المرحلة الأساسية وننتقل إلى الثانوية العامة ونختار حينها فيما إذا كنا سنهجر الوطن والتاريخ في علومنا أم نلجأ إلى التاريخ والوطن الملفق!
نحن فقط فقدنا الثقة التي يشعر بها غيرنا من الأشخاص تجاه المستقبل الآتي بل والثانية الآتية، حين تحدث مجزرة تحدث مجزرة، حين لا تحدث .. لا تحدث، وبين هذا وهذاك نعدُّ نحن على أصابعنا عدد الضحايا ونقيس حجم قلوبنا ونرى في كل اصبع ينهش كيف يتقلص قلبنا معه وتتلاشى معه القرى وتزيد المستعمرات! صدقوني نحن : ننتظر ونترقب مجزرة جديدة ..
في الخامس والعشرون من شباط للعام 1994 من الشهر الفضيل وفي يوم الجمعة المبارك، قام طبيب يهودي يدعى باروخ غولدشتاين و هو من سكان مستوطنة كريات أربع وكان قد تتلمذ في مدارس الإرهاب الصهيوني على يدي متخصصين في الإرهاب من حركة كاخ الإرهابية وكان غولدشتاين معروفا لدى المصلين المسلمين حيث كان في كثير من الأوقات يشاهدوه وهو يتبختر أمام المصلين الداخلين والخارجين إلى الحرم الإبراهيمي، بالتواطئ مع عدد من المستوطنين بالإعتداء على المصلين في الحرم الإبراهيمي بإطلاق النار عليهم أثناء أدائهم صلاة الجمعة وكانت يومها المجزرة التي خلَّفت 50 شهيداً وجرحت 349 أخرين بعد أن أفرغ كل ما في داخله من حقد عليهم!
لم تكن الأولى ولا الأخيرة بالطبع، هذه المجزرة ورّثت لدى جميع اليهود ذلك الشعور الذي نشعر به نحن الفلسطينين حين نبشَّر بنجاح عملية استشهادية قد أدت إلى مقتل عدد لا بأس به من اليهود وهو بطبيعة الحال رقم أحادي بسيط تكفي أصابعنا العشر (إن وجدت) لأن تحصيه وحدها! أخبركم عن الشعور الذي يتولد لدينا، المزيج من الغضب والسعادة والثورة معاً، أمور لطالما كانت تنتهي ما أن نعود لمشاغلنا اليومية، الغبطة التي يولدها النصر المؤقت أيضاً، كان عادياً ومؤكداً أن جميع اليهود سيعيشون الموقف ذاته، ويخيَّل لهم لو يكونوا جميعهم أبطالاً كهذا الباروخ! 
بعد هذا كله، وأمام العالم كله بل يكفي أنه أمامنا نحن، أغلق الحرم أشهراً طويلة، واغتصب أكثر من نصف الحرم وحول إلى كنيس ليصلي فيه اليهود الذي حدثتكم عنهم قبل قليل، هؤلاء الذين يحلمون بإنجاز كهذا .. وضعت الحواجز في طريق المسجد ومنع المسلمون من من دخوله والصلاة فيه بسهولة كما كانوا سابقاً ..
أود أن أذكركم بحديث شريف عظيم يقول فيه صلوات الله وسلامه عليه : " لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم" .. وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " .. 
ما أقوله هنا أنه ليس المهم أن المسجد قد اغتصب وقلَّت مساحته، ليس البناء، ليست الحجارة هي ما تحيينا نحن .. إنها الدماء التي تراق، هي التي يجب أن نبكي عليها أولاً، كيف صار دمنا ماءاً رخيصاً، أصبحنا نغالي ونقول لا بأس! أصبح واحداً أو أربعة أو عشرة لا يؤثرون كثيراً ولا يغيرون شيئاً ..
ليس علينا أن ننتظر مجزرة أخرى، لا أعلم ماذا علينا أن نفعل! وأنتم كذلك لا تعلمون .