الأحد، 19 يونيو 2011

ليلةٌ، أو أبعد

كلّ شيءٍ يدفعني الآن إلى الكتابة، لا أعلمُ ما قصتي مع هذهِ الليالي الدافئة، إنها تشبهُ امتداد البارجات المضيئة على بحرٍ تزيّن بعقدٍ يلتفّ حول عنق امرأة يهواها الجَميع . امتلأ الهواء بالسعادة كأنه موسيقى تَصدح، للسعادةِ عنفوانٌ يزيدها شباباً ونضرة، عدمٌ هناك في قلب الحزن يعتصرً الحياة في فيه ويبصقها كأنها مولود لا يرغبه أحد، ربما لا تُنبذ السعادة لكنها تصل المقصلة ولا يصحو هؤلاء من تعاستهم، ليلٌ طويل بصحبة ضوء السماء الخافتة، ولوزٌ أخضر و سحابة بيضاء تتمرغ في القمر، تكفينا لنطرّز العشق النبوي فينا وكأننا نمارس الشطرنج ونخسر ثم نجهش ضاحكين مخلفين وراءنا قطعاً كثيرة سقطت!
رُبما، يد الهواءِ هي التي تلتف حولَ خاصرتي حين أرغبُ بالرقص ليلاً لكنها دافئة كثيراً لتقيني بردَ الوحدة الخاطف، إنني لا أشعر بالوحدة، حتى ولو كنت في أشد حالاتي فراغاً، املأ الهواء بعطريّ المضجر وأحدثه حكايا الطيبيّن الحالمين ولا أملّ منه . كان أمسي قد ربّي فيّ داء ورثته عن أجدادي القدماء وعادات أمارسها كلّ يوم، كأن أنمُو كلما أنفق مدّخراتي على مكتبَتي وليس لمجرّد أنني أتقدمُ في العمر، وكأن أؤمن بالسلام وإن أُلقيت تحت وابلٍ من الرصاص الفولاذي .  أما حاضري يعندِل كبلبل ويحتضنني على رسلٍ كي لا أجعله تعيساً -حاضري ايضاً ينتهي ما أن تفرّ صغيرة من مضجعها وتقفل الباب الخلفي للحديقة، لأنّ رؤىً تتعلق بالحرب راودتها مؤخراً- ومستقبلي أغانٍ جميلات وكلاماً طيّباً وأحلامَ بريئة .
بلادي ضيّقة، أحتاج فيها تصريحاً لأجلس أمام البحر أستمع إلى الموسيقى وأعدّ كوباً من القهوة على مهلٍ وأشربه على غير مهل كأني ألاحق القطرات التي ارتشفها الهواء قبلي، لكلّ مناسبة فيها علم، وأصحاب فضل وكفاءة وغاويين كُثر . وكاذبين، مناخها خاضع لقوانين كثيرة، لا أيقن تحديداً قانون مناخها الحاليّ، فهي تمر بحالة من الإنفصام . أعني أنها غائبة الآن عن الخريطة حتى يطلَق الحكمُ بوصفِها "بلدٌ" على الأقل، لكنني أعود وأبتسم، لأنني حصلت على تصريح فيها، ربما هو ليس تصريحاً بالجلوس أمام البحر وممارسة الأمور العادية فيه، لكنه على الأقل تصريح : حتى ولو كان تصريحاً بالنظر إلى البحر من بعيد، كأنثى تستفيق من عدّة النسيان مؤخراً ولا ترغب حتى في محادثة البحر!
علمتني بلادي أن أكون سعيدةً، وأن أكتفي بها بلا أدنى شروط أوقوانين ..

علمتني بلادي أن أكون سعيدةً، وأن أكتفي بها بلا أدنى شروط أو قوانين

هناك 4 تعليقات:

  1. في واقعنا الحالي ,,
    أصبحت أبسط الحقوق ,, ميزات وكماليات ..
    ووصولك للبحر وارتشافك القهوة ,, شيئاً قد لا يقوى على فعله كثير من سكان الأرض ..
    في ظل القيود الواقعية والحكومية والمادية والمعنوية ,,
    أوضاع الكثير تبقى أفضل إن حاول استثمارها ,, واستثمار لحظات حياته قبل فوات الأوان ..
    فالحياة قصيرة ,, وأقصر من أن نتمكن من إدراك تفاصيل طلاسمها المتغيرة لحظياً ..
    تقديري واحترامي ,,
    تذوق راقي للكلمات ,, ونسج ممتع للتفاصيل ..
    دمتي بكل خير وصحة سعادة ..

    ردحذف
  2. رائع جداً ما خطت يداكِ هبة
    أنتظر جديدك
    نوران مرتجى

    ردحذف
  3. تسلم أنااملك .. رائع جدا

    ردحذف
  4. هي دَهرٌ أو يزيد ،،، إستقيَتي مِنها هذه الليلة الحائرة ،،، بِقناعةِ صائبة ،،، وتصريحِ مُتأخر ،،
    كوني بخير عزيزتي

    ردحذف

أسعد بكم :)